-->

د. الحسان شهيد: يكتب "النزعة الضبعيّة أو ضِباع العصر"


د. الحسان شهيد

مركز الصدى للدراسات والإعلام: د. الحسان شهيد

تُعرف الضباع بخواص: أولاها: أنها تراقب المعركة عن بعد، لفشلها في الصيد من فرط غبائها، حتى تضع المعركة أوزارها، فتنتهز فرصة التهام ما تبقى، ثانيها: أنها لا تصيد منفردة بل مجتمعة لجبنها، وثالثها: أنها لا تنتظر خروج روح الفريسة ريما أو غزالا، بل تنهشها نهشا وهي حية دون رحمة، ورابعها: قد تغدر بالصياد نفسه إذا وهن فتمزقه إربا إربا، وهذه النزعة الضبعية نلمس امتداداتها الإنسانية، ففي كرة القدم مثلا، هناك ضبع الفريق (وليس القناص)، وهو من يسجل الهدف بعد غيابه عن المشهد، بِكرة سهلة مرتدة صدّها الحارس أو القائم، وهذا لا يتطلب منه غير التموقع الراصد، ومن اللاعبين ذوي النزعة الضبعية -على قلة معرفتي باللعبة- بنزيمة مع الريال، وهيكوايين مع جيفونتوس سابقا، وكذا الجزيري مع منتخب تونس سابقا..
هذا المشهد أراه قياسيا على مهرجين إعلاميين وصحفيين، ومدونين في الشأن الثقافي والسياسي في زمننا، إذ ما أن تبدأ معركة، حتى ترى أعين الضباع تترصدها للانقضاض على المغلوب الفريسة..ويا ويحه!!، أو تراقب سقوطه. فتجدها تعرق عظامه عرقا، وتنهش ما تبقى من لحم نهشاٌ، وتمزق بأقلامها وأسنتها هيكله، متنازعة أضلعه بأنيابها يمينا وشمالا، دون شفقة.
ورُبّ ضبع لم يعرف «الضحية" من قبل، ولم يجر اسمُه على لسانه أو قلمه أبدا، إلا بعد مثوله قضائيا، أو عند سجنه، أو بعد استشهاده، كبعض الصحفيين المعتقلين ظلما، وبعض رموز العلم المحاصرين، ورجال السياسة المتابعين..وغيرهم كثير..بل ألفينا بعضهم من زُمّار حيّهم، وبمجرد أن جرى لهم ما جرى، صار زمّارهم ضباعا يرقصون على جراحهم، ويلِغون على جثثهم..وأضحوا مادة دسمة بين أنيابهم المكشرة والبارزة.. وقد تكتسي بعض القضايا الفكرية، ثوب الفريسة لديهم، كمسألة التراث الفقهي والإرث والمرأة ومشكل اللغة والهوية...وغيرها كثير..لترى البؤس قد عشش في مناقشاتهم وحل شاهدا على مناهشاتهم.
الإشكال هنا، ليس في المناقشة المبدئية والتقويم، لأنهما صلب الثقافة والفكر، وهم عنهما أبعدُ، ، بل في الانتقال من المتفرج عن بعد زمناٌ، إلى موقع التشفي و النكاية و التحريض، والنهش، في لحظة، رغم أن هؤلاء الضباع ليسوا طرفا في المعركة، وليس لهم أن يميّزوا فيها قبيلا من دبير.
للأسف، أن تصبح مميزا زمن التفاهة، يعني صرت ضبعا في عالم السخافة، وما أكثر ضباع عصرنا. غير أن الضباع قد تشابهت علينا أخيرا، بين وحشية ذلول تثير العرض، وأخرى مروضة لا تطفئ الحرب، معلّمة لا شية فيها..

حفّتنا وإياكم رعاية الرحمن.


أحدث أقدم