-->

مفهوم الإصلاح في القرآن المجيد ودوره في إدراك البعد الإبيستيمولوجي للحركات الإصلاحية





مركز الصدى للدراسات والإعلام: عصام أخيرى

كان ولا يزال تحقيق فلسفة الإصلاح مطمع كل الحركات الإصلاحية التي نادت بإصلاح الواقع الإسلامي، والعربي خاصة، فما من قطر إسلامي وعربي إلا نادى بالإصلاح، بغية تدارك التفاعل الحضآري والمعرفي المعاصر، فاختلفت الرؤى في كفيات الإصلاح، وذلك في صياغة التساؤل الذي انطلقت منه معظم الحركات، بل جلها، أين يمكن الخلل، والداء؟ ولذلك نجد الإختلاف ضمن الواقع الذي بدأ منه الإنحطاط، الفكري والأخلاقي، والعقدي، وقد تنولان في مقالة بعنوان " فلسفة الإصلاح، والبعد الإصلاحي لإبيستيمولوجيا المنظومة التربوية." وقد نشر في  موقع دين بريس، مؤكدا أن الإصلاح الأول يجب أن يكون من داخل المنظومة التربوية.

 

اتجه كل مصلح إلى تبني تخصصه الفكري، والأكاديمي،  في تشكيل البنية الداخلية للداء الذي أدى إلى تدهور الفكر المنهجي للفكر الإسلامي المعاصر، بدء من الفكر السياسي الذي تبناه الدكتور عبد الرحمان الكواكبي  في كتابه طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد، كأول كتاب يتناول الفكر السياسي في استبداده،  إلى الفكر التربوي، الذي ألف فيه الأستاذ الطاهر بن عاشور، كتابا مستقلا بعنوان "أليس الصبح بقريب "خصصه لملف الإصلاح الذي بدأ التفكير فيه منذ رحلته في التدريس   <1903>، وبدأ بالفعل تأليفه في تلك السنة ، وأتمه سنة <1910>، ولكن حالت أسباب واقعية وسياسية، دون نشره"[1]، وذلك "لأنه يعتقد أن الإصلاح التربوي أساس كل إصلاح؛ فهو البداية المنهجية للإصلاح العقائدي واللغوي والإجتماعي والإقتصادي"[2]، "ومهما حاولنا وتوهمنا أن النهوض والتغير والإصلاح يمكن أن يتم خارج مواقع التعليم، فإن التاريخ، والواقع والتجربة الذاتية والعالمية، تؤكد أن التربية والتعليم هي -كما أسلفنا- السبيل الأوحد"[3].

 

كانت هذه مقدمة مجملة لم تفصل القول في تبيان المراد، فالذي يراد من هذا البحث، تبيان حقيقة  مفهوم الإصلاح كمصطلح، معرفي، منهجي حضاري، إبيستيمولوجي،  يمكن له أن يؤسس لتفاعل معرفي ضمن الإطار المرجعي في تناول المصطلحات والمفاهيم، كلبنات لبناء الحضارة، وتحقيق التفاعل الوجودي الكوني.

 

حين نستقرأ معاجم اللغة العربية في بيان الأصل والجذر اللغوي، لمادة <صلح>، نجد أنها لا تدل إلا على ضده، إذ نجد عند ابن فارس ذهب إبن فارس في معجمه مقاييس اللغة أن" (صَلَحَ) الصَّادُ وَاللَّامُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الْفَسَادِ"[4] "(صلح)صلاحا وصلوحا زَالَ عَنهُ الْفساد وَالشَّيْء كَانَ نَافِعًا أَو مناسبا يُقَال هَذَا الشَّيْء يصلح لَك (صلح) صلاحا وصلوحا صلح فَهُوَ صليح(أصلح) فِي عمله أَو أمره أَتَى بِمَا هُوَ صَالح نَافِع وَالشَّيْء أَزَال فَسَاده وَبَينهمَا أَو ذَات بَينهمَا أَو مَا بَينهمَا أَزَال مَا بَينهمَا من عَدَاوَة وشقاق وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا}[5] و{فَاتَّقُوا الله وَأَصْلحُوا ذَات بَيْنكُم}[6]"[7].

 

 وعرفه ابن منظور في لسان العرب، بقوله: "صلح: الصلاح ضد الفساد؛ صلح يصلح ويصلح صلوحا وصلُح (بضم اللام) كصلَح (فتح اللام)، قال ابن دريد: وليس صلح بثبت. ورجل صالح في نفسه من قوم صلحاء ومصلح في أعماله وأموره وقد أصلحه الله، وربما كنوا بالصالح عن الشيء الدي هو إلى الكثرة كقول يعقوب مغرت في الأرض مغرة مطر؛ هي مطرة صالحة...والإستصلاح ضد الإستفساد. والصلح: تصالح القوم بينهم، والصلح، السلم، وقد اصطلحوا وصالحوا وأصلحوا والصلاح بكسر الصاد مصدر المصالحة "[8].

 

من خلال المنطلقات اللغوية، لمفهوم الإصلاح، يمكن القول، بناءا على مقتضى المعاجم اللغوية أنها لا تسعفنا-بتعبير الجابري- أن نتبين وندرك حقيقة البعد الكوني، والمعرفي هذا المفهوم، كما يقول الدكتور محمد عابد الجابري "لا تسعفنا المعاجم العربي القديمة بأي تعريف ل<الإصلاح> غير قولها: <الإصلاح ضد الإفساد>. وإذا بحثنا فيها عن معنى <الإفساد> ردتنا إلى الإصلاح>"[9]، ويقول الدكتور إسماعيل الحسني "إن التحليل اللغوي للإصلاح مهم ونافع ولا يمكن للباحث أن يتخطاه... ولكنه لا يفضي بنا إلى الإمساك المنهجي ببنية مظاهر الإصلاح في الخطاب القرآني"[10]، فلذا نحتاج إلى تجديد المعاجم، التي لا تكفي لتبيان حقيقة بعض المصطلحات، كالمصطلح المدروس.

 

 ونحن في إطار البحث عن مفهوم ابستيمولوجي لمصطلح للإصلاح في الشرع، نجد أن المفسرين لا يُفسرون مادة <صلح> كما وردت في القرآن، إلا بما سبق في اللغة " والغريب أن المفسرين يكتفون بشرح مادة صلح الواردة في القران الكريم بكثرة لهدا النوع من التعريف بالسلب لصلح ضد فساد"[11]، وينفي الدكور الحسني في ذات السياق أن تكون المرجعىة الإسلامية قد أطردت التضاد فيقول "نحن لا نقصد بذلك التقليل من إشتغال الخطاب العربي الإسلامي وفي مقدمته الخطاب القراني والحديث النبوي، ومسألة الصلاح والإصلاح كلا، فلفظ صلح ومشتقاته يتردد بإستمرار في نصوصنا الثراتية بمختلف منازعها"[12]، ويعتبر أن الدعوة المحمدية كانت دعوة إصلاحية عميقة جعلت على رأس مهامها إخراج الناس من الظلمات إلى النور {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور}[13]"[14] ، وهذا ما ذهب إليه الدكتور سعيد شبار، حيت يرى هو ذاته أنه "إذا أمعنا النظر في السنة النبوية، بل في السيرة النبوية  نجده نمواذجا كاملا وتجربة حية في الإصلاح والتغير"[15]، وهي رسالة مصدقة مهيمنة، على الوجود الرسالي، السابق، ناسخة لشرعة الإصر والأغلال، وهي بحق تجربة إصلاحية ناجحة، نتيجة اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، معالم المنهج القراني، الذي لم نعد نعيره اهتماما، سوي الإستشهاد بالتفاسير، ولبسها لباس الحقيقة المطلقة، مكتفين بترديد ما ردده الأولون، لهذا أقول، فإن التفاسير، لم تصب كبد الحقيقة، بل مجرد أراء، يمكن أن سنستأنس بها في فهم القرآن المجيد، وليس لاسقاط ما فسره به الطبري على أنه القول والمراد الأول والأخير لما قصده الشارع.

 

يقارن الدكتور الجابري بين المرجعية العربية ونظيرتها الأروبية، فيقول ":إن فكرة الإصلاح في المرجعية الأوروبية لها علاقة مباشرة بفكرة تغيير الصورة في الفلسفة اليونانية"[16]."ويحسم الدكتور الجابري الخلاف والفرق بين المرجعية العربية الإسلامية والمرجعية الأروبية فيقول:مانريد تأكيده هنا هو أن مفهوم الإصلاح في المرجعية الأروبية يرتبط بتغيير الصورة ...أما في المرجعية العربية الإسلامية فالإصلاح لا يطرح فيها على هذا الشكل دلك لأنه ـ الإصلاح ـ لا يتعلق بالعلاقة بين الصورة والمادة"[17]، حين نأسف لحال وقغنا لمعجمي، فإن هذا مرده لا محالة، إلى إهمال المصطلحات والمفاهيم، الفكرية، المؤسس لأبعاد الإبيستيمولوجية، لفلسفة الإصلاح، والخوض والغوص في أعماق اللاعمق، الذي لا طائل من إدراك مدراكاته المنهجية، مدام المصطلح يدل دلالة واحدة، على المراد من القول.

 

إن مفهوم الإصلاح في الدلالات المعآرف والتي يحملها المفكرون أبعد ما تكون إلى حقيقته الكونية، وربما هو نوعي من المعرفة المكتبسة، بل هو مجمل في  حقيقته التعريفية، كون  الخلل المنهجي في عدم ترسيخ وتقديم مصطلح  <الإصلاح>، في منهج ابيستيمولوجي، وهو عدم اقترانه بالقرآن المجيد، حين كان لنا قول في أن المفسرين لم يفسروا لإصلاح حسب ما تقتضيح حقيقته المطلقة التي اكتسبها من اطلاقية القرآن، نقول بأن المفسرين إنما مجتهدون، ليس لهم وصاية حقيقة على المفاهيم الشرعية،"فمن مجموع سور القرآن المائة والأربعة عشر<114> يتوزغ لفظ الصلاح توزعا موازنا.... وجعل الله الصلاح مقابلا للفساد، والمصلح مقابل المفسدفردا كان أو جماعة كما في قوله تعالى {والله يعلم المفسد من المصلح}[18]، {ولا تفسدو فو الآرض بعد إصلاحها}[19]...وجعل التوبة قرينا للإصلاح تجب وتمحوا أنواع الفساد المقترفة كما جعل غيرها قرينا له في سياق من الإتلاف والتكامل، نقرأ ذلك في قوله تعالى {من عمل منكن سوء بجهالة ثم ثاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم}[20]، كما قرن القرآن بين الصلاح والتقوى والبر والعفو والإيمان... وكلها منطلقات ضرورية للعمل الإصلاحي نقرأ ذلك في قوله تعالى: {فمن أمن فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}[21]..."[22]

 

فالقرآن المجيد في إطلاقيته الكونية، وبعده الوجودي ،يعبر عن مفاهيمه، بكل منهجية وتصديق، إذ لا بد لنا من منهج ابستمولوجي، يخول لنا  ادراك حقيقة المطلقة، والكونية المطلقة، لمنهجية مناهج المصطلحات،  بغية ادراك حقيقة الإصلاح القرآني، يرى الدكتور إسماعيل الحسني و في هذا يقول: "وهكذا أفضى استقراؤنا لكتاب الله تعالى في هذا المضمار إلى استنباط  سببين رئيسين تنتظم في خيوطهما أسباب الصلاح والفساد:

 

يتمثل السبب الأول في التدافع المحقق للإصلاح في مقابل الجمود والتناقض إلى الفساد، ويتجسد السبب الثاني في التوسط المنتج للصلاح في مقابل الإسراف المنتج للفساد"[23].

 

إن التدافع والصراع الذي يعيشه، الإنسان في واقعه السوسيولوجي، أمر سنني ومكون معرفي قرآني، فالتدافع بين الناس والمخلوقات دافع للإصلاح القرآني، و"المقصود بالتدافع في القرآن الكريم متمثل فيه كونه آداة من أدوات التوازن في الوجود الدنيوي الإنساني"[24]، فلا بد من توازن تام منهجي، عقلي ونفسي، بين هذا التدافع، لا إفراط ولا تفريط، وهو الأمور في الوسطية، إذ أن الوسطية التي دعى إليها القرآن المجيد، التي تدل على منهج في استقامة الحياة، سبب من أسباب الإصلاح، فالغلو في الأمر يؤدي إلى كسره، والتفريط يجعله غير قابل للتحكم والإعوجاج، فالوسطية منهج كوني، من بين مجموع سنن الكون، المتسم بجمالية الروح الإلهية، والمتشكل من عالم الإرادة.

 

كان للقرآن المكي، فيما نزل، بعد إصلاحي، تمثل في تنقية العقيدة الإبراهيمية، وبناء عقل قادر علي استيعاب المنهج الكلي للقرآن المجيد، عقل قادر على استيعاب معالم المنهج القرآني، بمختلف مراحله، والتي أكملت لبنتها الأخلاقية الإسلامية مع النبي محمد صلے الله عليه وسلم، إذ أن  "أول ما اهتم  القرآن بإصلاحه هو الإعتقادات التي يؤمن  بها الإنسان الفرد ويقتنع بها المجتمع والأمة"[25] فكانت الدعوة في البعد الزمني المكي، إعادة بناء وتصحيح العقيدة في النفوس البشرية ، وبناء العقل الفردي، وذلك بنفي مجموعة من الإيديولوجيات الوضعية، في تقارب الأصنام ذات الطبيعة الحيلولية، كونها-كما زعم المشركون- زلفية التوسط بين الخلق والخالق، فمكان  من القرآن المجيد أن نفى هذه الزلفية، بل إن الواسطة بين الله والعبد تكون دون الرسل، نجد في سورة البقرة {وإذا سألك عابدي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجوبا لي  وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}[26]،لاريب في كونها ذات بعد  منطلقي في كونية الدعوة، فالواسطة ولا زلفية بين الخالق والمخلوق.

 

 حين نتبع مجمل آيات السؤال في السورة ذاتها، نجدها كلها يكون فيها الرسول صلے الله وسلم واسطة في تبليغ الأحكام، ومناهج التربية الإصلاحية، للمجتمعات، من ذلك قوله تعالے {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس}[27] {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين}[28] {يسألونك عند الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عند سبيل الله}[29] {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما}[30] {ويسألونك عن المحيض قل هو أدى فاعتزلوا النساء في المحيض}[31]، فين حين أن الدعاء الذي يكون بين العبد وربه، حتى النبي صلى الله عليه وسلم غير واسط، وغير مخبر الله عنه، قال الله تعالى: {وإذا سألك عابدي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجوبا لي  وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}[32]،

 

إن أركان الإيمان تجعل من المكلف، إنسانا واعيا بمنهج معرفي قرآني قادر على الإصلاح الإعتقادي، وذلك عن طريق الإيمان بالله تعالى "وهكذا يقترن إصلاح العقائد أولا وقبل كل شيء بوحدانية الله تعالى"[33]، وبرسله الأخيار الذين يخبرون عن الله، حقيقون على ما يقولون عن الله في الإثبات المطلق، وكتبه التي نزلها منهاجا وحقيقة على صدق الوجود الكوني في آخرها القرآن الكريم المصدق المهيمن الناسخ، الذي حكى عن حقيقة اليوم الآخر والواجب الإيمان به فهو "ينبئ عن مصلحة تنزيه الله تعالے عن العبث في أفعاله"[34]، وفي حقيقته المعرفية يقتضي الحساب بين المخلوقات بالمحكمة الإلهية.

 

إن التصور الإعتقادي القائم على مراحل الخلق       من الطين كمرحلة أولى إلى مرحلة تكوين النسل والذرية إلى مرحلة استمداد الذرية التي نشأت من اختلاط ماء الرجل والمرأة إلى مرحلة الإستخلاف[35]، كفيل بأن يخلق نظرة مطلقة كلية صلاح وإصلاح الإعتقاد، ويرى الدكتور الحسني بعد أن نقل قولة الإمام مالك " لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها -أن من بين - من أبرز ما صلح به أولها أن عقيدة الوحدانية في القرآن المجيد ترسخ لمصلحتين عظيمتين:

١-المصلحة الأولى: مصلحة عقلية تبرز في ذهنية استدلالية قائمة على كل ما يشهد له الدليل...

٢-تتجسد في تحرير الإنسان من عبودية غير الله لأن القرآن ينفي أي نوع من أنواع القداسة، على أي فرد..."[36].

 

يهدف الإصلاح القرآني إلى إصلاح الوجود الفكر الإنساني الذي يعتبر نصف وحقيقة الوجود من خلال النظر النفسي وفي الخلق الذي خلق بمحاذات الوجود الكوني، فهذا النظر والتدبر التفكيري، يكون نظرا وتفكيرا ذا بعد قلبي عقلي، وهي مبادئ قرآنية إطلاقية يراها الدكتور الحسني لإصلاح التفكير تتمثل في:

 

أ‌-                    مبدأ النظر إلى الأنفس والأفاق المختلفة من أجل استخلاص السنن والقوانين الناظمة. يدل على المبدأ آيات منها قوله تعالے: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}[37].

ب‌-              مبدأ المحاسبة الذاتية... وهو مبدأ مستنبط من قوله تعالے: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير}[38] .

ت‌-              مبدأ التثبت وما يقتضيه من تبين وإحاطة، التثبت واضح في قوله تعالے: {يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} [39].

ث‌-              مبدأ الموضوعية؛ أي عدم الإحتكام إلى ما تهواه النفوس لقوله تعالے: {إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا}[40].

ج‌-                مبدأ الحجية الذي يقوم على الإستناد إلى الدليل، والآيات التي تدعو إليه كثيرة ومتعددة: منها وقله تعالے: {لو كان فيهما ءالهة إلا الله لفسدتا}[41]"[42].

 

من خلال هذه المبادئ يمكن أن ندرك الأسس الفلسفية للإصلاح القرآني، في التدبر الخلقي، والمحاسبة الذاتية للأنفس، وتغير الخلل الذاتي وعدم حمل أسباب التخلف على الآخرين، والتثبت في حقيقة القول والإخبار عن الأخبار، ومنهجية الإحتكام إلى الظنيات وما تمليه الأنفس، مما يجعل الحجية أمرا في غاية الأهمية على تحقيق حقيقة القول في سياقه الدلائلي، وهكذا يتخذ التفكير المنهجي الإنساني، صحيح التفكير الممنهج بمنهجية القرآن المعرفية.

 

يمكن في الختام أن نبين مقاصد بعض العبادات في حقيقتها الإصلاحية القرآنية، فحين نتخذ منهج إصلاح العبادات من صلاة وصوم، وحج، لا نتخذ الشكل كشكل خارجي، ذا بنية مشكلة في تجسيد رياضي، بل في الأساس المعرفي، يتخذ ذلك بعدا روحيا، ونقاء صفيا، في مفهوم التكون الأخلاقي بمميزات الأخلاق القرآنية في كيفية تحقيق هذه العبادات في واقع الكون، فالصيام المقترن بالصلاة، في مختلف الحقيقة المعرفية، فالصلاة، منهج روحي، يُرقي الإنسان إلى الوجود الملائكي، والإصطفاء الروحي، مقترنة بذلك مع الصيام، الذي يشكل في مجمل أبعاده الوجودية، إمساك، عن الضرر الروحي،  والأفعال التي تكسر الصفاء الروحي، للوجود الإنساني، من نميمة، وكذب، وزور.


* باحث في الفكر الإسلامي



[1]- الشيخ محمد الطاهر بن عاشور وقضايا الإصلاح والتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر رؤية معرفية منهجية، تحرير فتحي حسن ملكاوي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، هرندن-فرجينيا-الولايات لمتحدة الأمريكية، الطبعة الأولى 1432-2011، مقال للأستاذ: عمار جديل، بعنوان تقويم تدريس العلوم الشرعية،، الإسلامية دراسة في فكر الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، ص484، ضمن المؤتمر العلمي الدولي الذي نظمه المعهد العالمي للفكر الإسلامي، بالتعاون مع جماعة محمد الخامس في الرباط<شعبه الدراسات الإسلامية>يومي 6-7جمادي الأولى 1430هـ،2-3مايو 2009م.

[2]- الغالي، بلقاسم، الإمام محمد الطاهر بن عاشور حياته وآثاره، نشر مشترك بين دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة-مصر، دار سحنون النشر والتوزيع-تونس، الطبعة الأولى 2015م-1436هـ، ص 173.

[3]- محمد عبيد حسنة، من مقدمة كتاب، قطب مصطفى سانو، النظم التعليمية الوافدة في إفريقيا في البديل الحضاري، كتاب الأمة قطر محرم 1319، ص 13، نقلا عن: العلاقة مع الآخر في ضوء الآخلاق القرآنية، محمد الناصري، دار الهادي، الطبعة الأولي، 2009م-1430هـ، ص 329. بتصرف.

 [4]-مقاييس اللغة لابن فارس، ج 3، ص303

[5]- سوره الحجرات، الآية 9.

[6]- سورة الإنفال، الآية 1.

[7]- المعجم الوسيط، ج1، ص،520

[8] - ابن منظور، جمال الدين، لسان العرب، دار صادر بيروت، الطبعة الأولى، 1997، ج 4، ص 61-60.

[9]-  الجابري، محمد عابد في نقد الحاجة إلى الإصلاح، مركز دراسات الوحدة العربية الطبعة الثانية، 2014، ص17.

[10]- الحسني، إسماعيل , مفهوم الإصلاح في القران الكريم دراسة في أسبابه ومظاهره، المعهدالعالي للفكر الإسلامي، هرندن-فرجينيا-الولايات لمتحدة الأمريكية، الطبعة الأولى2017م-1437هـ، ص 22.

[11]- نفسه، ص17.

[12]- الجابري، نقد الحاجة إلى الإصلاح م ـ س، ص18.

[13]- سوره إبراهيم، الآية 1.

[14]- الجابري، نقد الحاجة إلى الإصلاح م ـ س، ص18.

[15]- شبار سعيد، الثقافة والعولمة وقضايا إصلاح الفكر والتجديد في العلوم الإسلامية، الطبعةالأولى، 2014 مركز دراسات المعرفة والحضارة، ص67.

[16]- الجابري، نقد الحاجة إلى الإصلاح م ـ س، ص 19.

[17]- نفسه، ص 19.

[18] سورة البقرة، الآية 218.

[19]- سورة الأعراف، الآياتان84-85.

[20]- سوره الأنعام، الآية 45.

[21]- سوره الأنعام الآية  39.

[22]- شبار، الثقافة والعولمة م س، ص 63-64، وما بعدها

[23]- الحسني، مفهوم الإصلاح في القران الكريم م ـ س، ص 29.

[24]- نفسه، ص 32.

[25]- نفسه، ص 68.

[26]- سوره البقرة، الآية، 186.

[27]- سورة البقرة، الآية،189.

[28] - سورة البقرة، الآية،215.

[29]-  سورة البقرة، الآية،217.

[30]- سورة البقرة، الآية،219.

[31]- سورة البقرة، الآية،222.

[32]- سوره البقرة، الآية، 186.

[33]- الحسني، مفهوم الإصلاح في القران الكريم م ـ س، ص 72.

[34]- الحسني، مفهوم الإصلاح في القران الكريم م ـ س،  ص 73.

[35]- نفسه، ص 74-75، بتصرف.

[36]- الحسني، مفهوم الإصلاح في القران الكريم م ـ س،  ص 78-79.

[37]- سورة الذاريات، الآي21.

[38]- سورة آل عمران الآية165.

[39]- سورة الحجرات، الآية ئ.

[40]- سورة النجم، الآية 28.

[41]- سورة الأنبياء، الآية 22.

[42]- الحسني، مفهوم الإصلاح في القران الكريم م ـ س، ص 81-84.


أحدث أقدم