مركز الصدى للدراسات والإعلام:
د. الحسان شهيد**
توجيه رقم1: إذا آنست من نفسك استيعابا لتصور البحث، وصعب عليك تحرير فصل ما، فربحا للوقت واذخارا للجهد، يحسن بك تجاوزه إلى ما تستطيعه، ويسهل تحريره، فقد يفتح لك مغاليق الأول..
توجيه رقم1: إذا آنست من نفسك استيعابا لتصور البحث، وصعب عليك تحرير فصل ما، فربحا للوقت واذخارا للجهد، يحسن بك تجاوزه إلى ما تستطيعه، ويسهل تحريره، فقد يفتح لك مغاليق الأول..
توجيه رقم2:
كثيرا ما يتردد لدى الطلبة سؤال المصادر والمراجع، وللاهتداء إليها هذه ثلاثة
مسالك موصلة:
الأول: أن تستفسر خبيرا بالموضوع
الذي تشتغل عليه، فيدلك على أدقها وأوعبها..
الثاني: أن
تعود إلى بحث (كتاب أو مقال) أصيل سابق أو قريب من الموضوع، وتراجع كشاف مصادره..
الثالث: أن
تتعقبه في فهارس ودلائل المكتبات الكبرى، أو تتصفح مواقع البحث الالكتروني، ثم
تنظر في مباحث ومصادر الكتب التي تراها أقرب إلى موضوع بحثك..
توجيه رقم3: لا
تتأخر في ولوج صلب الموضوع، ولا تستفرغ وسعك في مُلحه، وتهدر وقتك في تتمّاته، كأن
يكون عنوان بحثك مثلا "منهج البحث العقدي عند ابن حزم"، فتستغرق بابا بفصوله
الثلاثة، تعريفا بشخصية البحث في أولها، -على شهرتها-، وعرضا لبيئتها الاجتماعية
وظروفها السياسية في ثانيها، وبيانا لمفردات عنوانه في ثالثها، فجملة ذلك يمكن
استيفاؤه في مبحث تمهيدي بنسبة لا تربو عن 10%، واحذر أن تعدل تلك النسبة فقط نصيب
جوهر بحثك..
توجيه رقم4: وبينه
وبين سابقه ميثاق دقيق، اجعل عنوان بحثك معبّرا عن مضامين فصول بحثك
كلها، لا مطابقا لعنوان فصل من فصوله، كأن يستوي عنوان بحثك مثلا "البعد
الصوفي عند العلامة المختار السوسي"، والفصل الأخير من الباب الأخير
عنوَنتَه: ب"البعد الصوفي عند العلامة السوسي" فهذا يعني أن كل ما قبله
من فصول صلته غير سوية بلب الموضوع.
وهنا قد أوتيت
من ثغرتين: إما أنك أخفقت في اختيار عنوان بحثك، أو أخذتك عزة الإطناب بمزية حجم
البحث. فالأولى ثُلمة منهجية والثانية ثُلمة معرفية.
توجيه رقم5: لا
ينفعك نقل نص من أي مصدر أو مرجع دون حصره بين مزدوجتين من بدايته حتى نهايته، ولا
يشفع لك أن سفّلته تهميشا وترجيعا ب(انظر), لأن إحالة "انظر" لها صورة
أخرى غير ما تريد، فهي تفيد أن ما أوردته يتناسب مع سياق أو مضمون أو مفهوم ما
همّشت به، ولأجل التبيّن أو البيان أو التبيين تدعو القارئ إلى النظر فيما أحلته
عليه.
توجيه رقم6: لا
توجد فروق كبيرة بين طرق التهميش والترجيع للنصوص والفقرات، إنما تختلف بحسب الوسط
الأكاديمي للباحث، إذ كل يعمل على شاكلته، وأفضلها "الأنجلوساكسونية" ففي
حالة كتاب مرجعي، توثق هكذا:
(1)شهيد، الحسان، الخطاب
النقدي الأصولي، من تطبيقات الشاطبي إلى التجديد المعاصر، هرندن، فرجينيا، المعهد
العالمي للفكر الإسلامي، وم أ، ط1، س1433/2012. ص111
وفي حالة دراسة مرجعية بمجلة محكمة، هكذا:
وفي حالة دراسة مرجعية بمجلة محكمة، هكذا:
(2) شهيد،
الحسان، علوم الوحي والدراسات الإنسانية، آفاق الوصل وتحدياته، مجلة نماء، مركز
نماء للدراسات والبحوث، ع1،.س1، س2016/1437، ص135
وعند الإحالة على نفس المرجع
تحتفظ بالكاتب والكتاب، مع إضافة مصدر سابق، ص33.
وعند الثالثة على التوالي تقتصر على المصدر أو المرجع نفسه، ص11.
واختيارك المنهجي يلزمك حفظه من بداية البحث حتى نهايته..
وعند الثالثة على التوالي تقتصر على المصدر أو المرجع نفسه، ص11.
واختيارك المنهجي يلزمك حفظه من بداية البحث حتى نهايته..
توجيه رقم7: ترتيب
التعريفات، فلا يخلو بحث على الأرجح من تعريف مفردات أو مصطلحات، فحين تسرد
التعريفات، احرص على ترتيبها زمنيا بحسب واضعيها، فمثلا حين أعرف التصوف، لا أبدأ
بتعريف ابن عجيبة قبل تعريف الكلاباذي، ثم أتبعه بتعريف القشيري وأنتهي بتعريف
الجنيد، وكما تضبط ذلك زمنيا تنتظمه اختصاصيا، وستكون ثلمة في البحث لو استعجلت في
إيراد تعاريف مستشرقين ومعاصرين درسوا
التصوف من خارج، لأنه خبط وخلط، وهذا الرصد التاريخي يفيدك في فقه تطور المفهوم وفهم
تحولاته. وذلك علم في حد ذاته..
توجيه رقم8: ترتيب
الأفكار، وهذا يتطلب من الباحث حسا في ترتيب أفكار موضوعه، أي لما تجمع المادة العلمية
وتحصّل عددا من النصوص تحمل أفكارا متقاربة، فالأولى أن تذكر قائلها ابتداء، لا أن
تؤخره، حفظا لمقامه وأمانة لإبداعه. كأن تتحدث عن ظهور فكرة الاجتماع البشري فتورد
نصا لإميل دوركايم أو لأوجست كونت أو للقنوجي، وتغفل أو تهمش ابن خلدون، و غيره من
السباقين إلى الفكرة، فهذا خلل منهجي في إحكام صنعة البحث، و ظلم أخلاقي أيضا.
فمعرفة تاريخ الأفكار مهم للباحث في فقه مسارها وتطورها..
توجيه رقم9: فمن
حيث اللغة، سيجد الباحث مشقة في التعبير عن أفكاره، حتى لو تمكن من جمع مادته
العلمية، بل سيحول فقره اللغوي دون إبداع أفكار جديدة أو مطورة على أقل تقدير، لأن
اللغة كما هي منطق تحرير وتعبير فهي منطق تفكير وتدبير، وجماع هذا القول في معادلة
معرفية سببية: كلما كانت قراءتك كثيفة كانت كتابتك
رصينة، وكلما وهنت وقلت قراءتك وَنِيت وضعفت كتابتك، حتى يولد بحثك ولادة عسيرة،
وما المخاض العسير الذي تعيشه في بداية التحرير إلا مؤشر على ذلك، فكتابتك زكاة
قراءتك، ومن شرطها مرور حول القراءة والاطلاع.
توجيه رقم10: وأما
من حيث الأسلوب والمفردات، فإن خطاب البحث يتباين من حقل معرفي إلى آخر، فإن رسا
اخيارك على البحث في علم العقيدة، فاعلم أن له خطابا مائزَ الأسلوب بتعابير مدروسة
ومفردات مخصوصة، وبينه وبين علم التاريخ مثلا برزخ لغوي وأسلوبي لا يبغيان، والبون
نفسه إزاء الأدب أو الفلسفة أو أصول الفقه وما غاير...فإذا عزمت على الكتابة في
الفقه فلا تستعمل خطاب النقد الأدبي ولا خطاب العرفان الصوفي، وإلا اختر ما تتقن
وتحسن مجالا للبحث..
توجيه رقم11: أما الخاتمة، فهي
استراحة مجاهد بعد تعب وسهر ليالي، تُحرِّرها وأنت تنتقي الرُطب الجَنيّ، لتغري
بها فضول المطّلع، و تثير بها شهية الوافد المتصفح لعملك، فلا تقصِّر فيها عن قيمة
جهدك المبذول في مطالب البحث، ويستحسن أن تجعلها مذكرة بأهم الأفكار المعروضة،
والقضايا المسرودة و ما مررت عليه بيانا وتفصيلا واستدلالا، تنبيها للقارئ حتى
ترتسم لديه في إجمالها، وتُبسَط إليه حين عودته
بعد أمّة لتذكارها، فالخاتمة بمثابة مرآة خلفية لسيارتك، تنظر فيها إلى ما مررت
عليه عند المسير، وما سطرته قبلها من تقرير،..فاجعلها كاشفة لنتائج وإلماعات بحثك
الواردة، واعطفها بتوصيات رؤى وأفكار شاردة، وذيِّلها بآفاق بحوث تراها واعدة..
توجيه رقم12:
ولما كانت المقدمة بابا وضعها الكاتب لبحثه، فهي أيضا باب يقرعها القارئ، فإما لقي
منك ترحابا فأغريته بإتمام القراءة، وإلا وجد منك تنفيرا، فصرفته عن مجالستك السٱمة، فاحرص على براعة استهلالك فيها. وقوام ذلك إرجاء
كتابتها إلى نهاية البحث، بعد حيازتك لتصور أوسع عنه، لأنك مهما أجهدت نفسك في
تدبيجها فلن تقع منك محل الرضى، حتى تستوفي البحث أطرافه، وتنهي فصوله وكشافه،
فينتهي ما كتبته هاديا في تحريرها، وكي لا تخلف وعودك أفكارك المودعة في
المتن..باختصار: إن المقدمة حاكمةٌ، كزجاج سيارتك الأمامي، تنظر فيها مدى طريقك
المرسوم..فضمِّنها تمهيدا عاما للموضوع، ودواعيه ومقاصده، ومطالبه، ومفاتيحه..
وفقك الرحمن
* هذا المقال مقتبس من كتاب سيصدر قريبا بإذن الله
* هذا المقال مقتبس من كتاب سيصدر قريبا بإذن الله
** أستاذ التعليم العالي بكلية أصول الدين وحوار الحضارات، جامعة عبد المالك السعدي، تطوان
Tags
مقالات