أستاذ مادة التربية الإسلامية بالسلك الثانوي
من تراث شيخنا العلامة المحدث الحافظ الناقد سيدي عبد العزيز بن محمد بن الصديق الغماري قدس الله سره، علق نفيس هو شرح على الأبيات المنسوبة لإمام الطائفة الجنيد رضي الله عنه والتي سماها رحمه الله:
(كشف الغيب عن أبيات الجنيد توظأ بماء الغيب)
رغم ما استأثرت به هذه الابيات المنسوبة للجنيد السالك رضي الله عنه من اهتمام من لدن العديد من أعلام صوفية المغرب شرحا لمعانيها:
ـ كالشيخ السيد احمد التجاني، والشيخ سيدي احمد بن عجيبة، والشيخ سيدي محمد الحراق، والشيخ سيدي ابو بكر بن محمد البناني الرباطي .
يبقى شرح سيدي عبد العزيز بن الصديق أهم هذه الشروح وأميزها وذلك راجع في نظري إلى:
ـ المرجعية الصوفية السنية للشيخ.
ـ اعتماد الشيخ منهج القوم في الحال والمقال.
ـ اطلاعه الواسع على علوم القوم وأحوالهم وأذواقهم ومصطلحاتهم ودلالاتها ومعانيها.
ـ التزامه رحمه الله أصول الدين وقواعد الشرع كتابا وسنه جامعا بين الشريعة والحقيقة.
ـ سود رحمه الله شرحه بمداد العرفان والوجدان والتذوق والتواجد مستنيرا بمشعل الشرع ووهج البصيرة، لذلك فإن هذا الشرح يكشف عن رسوخ قدم الرجل في علوم الشريعة وعلوم الحقيقة، أو ما يصطلح عليه عند الصوفية عموما بعلم الظاهر والباطن، وهذا الأخير يشكل قطب الرحى والمدار في طريقهم ومجاهداتهم، وفي ارتكاز علومهم في التسليك إلى الله تعالى والتأهيل الباطني والتزكوي استمدادا من العلوم والاسرار الأحمدية، وتأهيلا لمقام الدائرة المحمدية التي هي الباب الى الحضرة الربانية.
ـ كما جاء شرحه في توليف دقيق بليغ بين (النص الصوفي) بكل مقوماته: (الأدبية البلاغية والاستعارية والمجازية...)، وبين (الشرح الصوفي) كمادة علمية بما يمتاز به من (ضوابط وشروط معرفية وتأصيلية وتقعيدية ومنهجية)، استتبع فيها الشارح رحمه الله (دقائق الإشارات واللطائف الجنيدية)، ومستقريا دلالاتها البلاغية، ومعانيها الشرعية، وكنوز أسرارها الصوفية، ومقعدا ومؤصلا لها ومستدلا عليها مما هو في نظره ومنهجه الفقهي والاستنباطي ومعتقده السلوكي بأدلة جامعة بين الفقه والسلوك، (والعلم والعمل) الموصل إلى الله تعالى على منهج النبوة وقواعد الرسالة وفهم السلف الصالح وفقه الأئمة وسلوك صالح الأخيار، ويبقى عمله رحمه الله هذا نموذجا فريدا في "الفهم والتقعيد والمنهج" لسلوك الطريق الأقوم على المنهج النبوي مدحا واستمدادا، وعملا بقول القوم: الطرق كلها مسدودة، إلا طريق من اقتفى آثار النبي صلى الله عليه وسلم .
وعليه فإن هذا الشرح جاء مطرزا؛ لأن شارحه هو العالم الرباني، والمحدث الناقد، والفقيه الضليع، والصوفي المتحقق الذائق.
رحم الله سيدي عبد العزيز بن صديق وقد سره ونفع بعلمه.
.jpg)